فصل: (سورة النمل الآيات: 67- 68):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة النمل الآيات: 67- 68]:

{وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذا كُنَّا تُرابًا وَآباؤُنا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ (67) لَقَدْ وُعِدْنا هذا نَحْنُ وَآباؤُنا مِنْ قَبْلُ إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (68)}.
العامل في إِذا ما دلّ عليه أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ وهو نخرج، لأنّ بين يدي عمل اسم الفاعل فيه عقابا وهي همزة الاستفهام، وإن ولام الابتداء وواحدة منها كافية، فكيف إذا اجتمعن؟
والمراد: الإخراج من الأرض. أو من حال الفناء إلى الحياة، وتكرير حرف الاستفهام بإدخاله على إذا وإن جميعا إنكار على إنكار، وجحود عقيب جحود، ودليل على كفر مؤكد مبالغ فيه. والضمير في إِنَّا لهم ولآبائهم، لأنّ كونهم ترابا قد تناولهم وآباءهم. فإن قلت: قدّم في هذه الآية هذا على نَحْنُ وَآباؤُنا وفي آية أخرى فدّم نَحْنُ وَآباؤُنا على هذا؟ قلت.
التقديم دليل على أن المقدّم هو الغرض المتعمد بالذكر، وإن الكلام إنما سيق لأجله، ففي إحدى الآيتين دلّ على أن اتخاذ البعث هو الذي تعمد بالكلام، وفي الأخرى على أن اتخاذ المبعوث بذلك الصدد.

.[سورة النمل الآيات: 69- 70]:

{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (69) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (70)}.
لم تلحق علامة التأنيث بفعل العاقبة، لأنّ تأنيثها غير حقيقى، ولأنّ المعنى: كيف كان آخر أمرهم؟ وأراد بالمجرمين: الكافرين، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الإجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوّف عاقبتها ألا ترى إلى قوله فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ وقوله: {مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا} {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} لأنهم لم يتبعوك، ولم يسلموا فيسلموا وهم قومه قريش، كقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} {فِي ضَيْقٍ} في حرج صدر من مكرهم وكيدهم لك، ولا تبال بذلك فإن اللّه يعصمك من الناس. يقال: ضاق الشيء ضيقا وضيقا، بالفتح والكسر. وقد قرئ بهما. والضيق أيضا: تخفيف الضيق. قال اللّه تعالى: {ضَيِّقًا حَرَجًا} قرئ مخففا ومثقلا ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم.

.[سورة النمل الآيات: 71- 72]:

{وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (71) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ (72)}.
استعجلوا العذاب الموعود فقيل لهم عَسى أَنْ يَكُونَ ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو: دنا لكم وأزف لكم، ومعناه: وتبعكم ولحقكم، وقد عدى. بمن قال:
فلمّا ردفنا من عمير وصحبه ** تولّوا سراعا والمنيّة تعنق

يعنى: دنونا من عمير، وقرأ الأعرج: ردف لكم، بوزن ذهب، وهما لغتان، والكسر أفصح. وعسى ولعل وسوف- في وعد الملوك ووعيدهم- يدل على صدق الأمر وجدّه وما لا مجال للشكّ بعده، وإنما يعنون بذلك: إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام، لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم أنّ عدوّهم لا يفوتهم، وأن الرمزة إلى الأغراض كافية من جهتهم، فعلى ذلك جرى وعد اللّه ووعيده.
والعنق: اسم منه يقول: فلما دنونا من عمير وأصحابه للحرب أدبروا مسرعين، والحال أن الموت يسرع خلفهم من جهتنا. شبه المنية بالأسد على طريق المكنية، فأثبت لها العنق تخييلا، كأنهم كانوا تبعوهم برمي النبال. ويجوز أنه استعار المنية لنفسه وقومه على طريق التصريح، أى: ونحن نسرع خلفهم، فذكر العنق تجريد، لأنه يلائم المشبه.

.[سورة النمل: آية 73]:

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ (73)}.
الفضل والفاضلة: الإفضال. ولفلان فواضل في قومه وفضول. ومعناه: أنه مفضل عليهم بتأخير العقوبة، وأنه لا يعاجلهم بها، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه، ولكنهم بجهلهم يستعجلون وقوع العقاب: وهم قريش.

.[سورة النمل: آية 74]:

{وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (74)}.
قرئ تكنّ. يقال: كننت الشيء وأكننته: إذا سترته وأخفيته، يعنى: أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ومكايدهم، وهو معاقبهم على ذلك بما يستوجبونه.

.[سورة النمل: آية 75]:

{وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (75)}.
سمى الشيء الذي يغيب ويخفى: غائبة وخافية، فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العافية والعاقبة.
ونظائرهما: النطيحة، والرمية، والذبيحة: في أنها أسماء غير صفات. ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة، كالراوية في قولهم: ويل للشاعر من رواية السوء، كأنه قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه اللّه وأحاط به وأثبته في اللوح. المبين: الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة.

.[سورة النمل الآيات: 76- 77]:

{إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77)}.
قد اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا، ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا، يريد اليهود والنصارى لِلْمُؤْمِنِينَ لمن أنصف منهم وآمن، أى: من بنى إسرائيل. أو منهم ومن غيرهم.

.[سورة النمل: آية 78]:

{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (78)}.
بَيْنَهُمْ بين من آمن بالقرآن ومن كفر به. فإن قلت: ما معنى يقضى بحكمه؟ ولا يقال:
زيد يضرب بضربه ويمنع بمنعه؟ قلت: معناه بما يحكم به وهو عدله، لأنه لا يقضى إلا بالعدل، فسمى المحكوم به حكما. أو أراد بحكمته- وتدل عليه قراءة من قرأ بحكمه-: جمع حكمة. وَهُوَ الْعَزِيزُ فلا يردّ قضاؤه الْعَلِيمُ بمن يقضى له وبمن يقضى عليه، أو العزيز في انتقامه من المبطلين، العليم بالفصل بينهم وبين المحقين.

.[سورة النمل الآيات: 79- 81]:

{فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ (79) إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (80) وَما أَنْتَ بِهادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِآياتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ (81)}.
أمره بالتوكل على اللّه وقلة المبالاة بأعداء الدين، وعلل التوكل بأنه على الحق الأبلج الذي لا يتعلق به الشكّ والظنّ. وفيه بيان أنّ صاحب الحق حقيق بالوثوق بصنع اللّه وبنصرته.
وأن مثله لا يخذل. فإن قلت: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى يشبه أن يكون تعليلا آخر للتوكل، فما وجه ذلك؟ قلت:؟ وجهه أن الأمر بالتوكل جعل مسببا عما كان يغيظ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من جهة المشركين وأهل الكتاب: من ترك اتباعه وتشييع ذلك بالأذى والعداوة، فلاءم ذلك أن يعلل توكل متوكل مثله، بأن اتباعهم أمر قد يئس منه، فلم يبق إلا الاستنصار عليهم لعداوتهم واستكفاء شرورهم وأذاهم، وشبهوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس، لأنهم إذا سمعوا ما يتلى عليهم من آيات اللّه- فكانوا أقماع القول لا تعيه آذانهم وكان سماعهم كلا سماع-: كانت حالهم- لانتفاء جدوى السماع-: كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع وكذلك تشبيههم بالصمّ الذين ينعق بهم فلا يسمعون. وشبهوا بالعمى حيث يضلون الطريق ولا يقدر أحد أن ينزع ذلك عنهم، وأن يجعلهم هداة بصراء إلا اللّه عز وجل. فإن قلت: ما معنى قوله إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ؟ قلت: هو تأكيد لحال الأصم، لأنه إذا تباعد عن الداعي بأن يولى عنه مدبرا كان أبعد عن إدراك صوته. وقرئ: ولا يسمع الصمّ، وما أنت بهاد العمى، على الأصل. وتهدى العمى. وعن ابن مسعود: وما أن تهدى العمى، وهداه عن الضلال.
كقولك: سقاه عن العيمة أى: أبعده عنها بالسقى، وأبعده عن الضلال بالهدى إِنْ تُسْمِعُ أى ما يجدى إسماعك إلا على الذين علم اللّه أنهم يؤمنون بآياته، أى: يصدقون بها فَهُمْ مُسْلِمُونَ أى مخلصون من قوله بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ يعنى: جعله سالما للّه خالصا له.

.[سورة النمل: آية 82]:

{وَإِذا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ (82)}.
سمى معنى القول ومؤداه بالقول، وهو ما وعدوا من قيام الساعة والعذاب، ووقوعه:
حصوله. والمراد: مشارفة الساعة وظهور أشراطها وحين لا تنفع التوبة.
ودابة الأرض: الجساسة. جاء في الحديث: أنّ طولها ستون ذراعا، لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب.
وروى: لها أربع قوائم وزغب وريش وجناحان. وعن ابن جريج في وصفها: رأس ثور، وعين خنزير، وأذن فيل، وقرن إبل، وعنق نعامة، وصدر أسد، ولون نمر، وخاصرة هرّ، وذنب كبش، وخف بعير. وما بين المفصلين: اثنا عشر ذراعا بذراع آدم عليه السلام.
وروى: لا تخرج إلا رأسها، ورأسها يبلغ أعنان السماء، أو يبلغ السحاب. وعن أبى هريرة:
فيها من كل لون، وما بين قرنيها فرسخ للراكب. وعن الحسن رضى اللّه عنه: لا يتم خروجها إلا بعد ثلاثة أيام. وعن على رضى اللّه عنه: أنها تخرج ثلاثة أيام، والناس ينظرون فلا يخرج إلا ثلثها. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: أنه سئل: من أين تخرج الدابة؟ فقال «من أعظم المساجد حرمة على اللّه» يعنى المسجد الحرام. وروى: أنها تخرج ثلاث خرجات: تخرج بأقصى اليمن ثم تتكمن، ثم تخرج بالبادية ثم تتكمن دهرا طويلا، فبينا الناس في أعظم المساجد حرمة وأكرمها على اللّه، فما يهولهم إلا خروجها من بين الركن حذاء دار بنى مخزوم عن يمين الخارج من المسجد، فقوم يهربون وقوم يقفون نظارة. وقيل: تخرج من الصفا فتكلمهم بالعربية بلسان ذلق فتقول أَنَّ النَّاسَ كانُوا بِآياتِنا لا يُوقِنُونَ يعنى أن الناس كانوا لا يوقنون بخروجي، لأنّ خروجها من الآيات، وتقول: ألا لعنة اللّه على الظالمين. وعن السدى: تكلمهم ببطلان الأديان كلها سوى دين الإسلام. وعن ابن عمر رضى اللّه عنه: تستقبل المغرب فتصرخ صرخة تنفذه، ثم تستقبل المشرق، ثم الشام ثم اليمن فتفعل مثل ذلك. وروى: تخرج من أجياد.
وروى: بينا عيسى عليه السلام يطوف بالبيت ومعه المسلمون، إذ تضطرب الأرض تحتهم تحرك القنديل، وينشق الصفا مما يلي المسعى، فتخرج الدابة من الصفا ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتضرب المؤمن في مسجده، أو فيما بين عينيه بعصا موسى عليه السلام، فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضيء لها وجهه أو فتترك وجهه كأنه كوكب درّى، وتكتب بين عينيه: مؤمن: وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه، فتفشو النكتة حتى يسودّ لها وجهه وتكتب بين عينيه: كافر. وروى: فتجلو وجه المؤمن بالعصا وتحطم أنف الكافر بالخاتم، ثم تقول لهم:
يا فلان، أنت من أهل الجنة. ويا فلان، أنت من أهل النار. وقرئ: تكلمهم، من الكلم وهو الجرح. والمراد به: الوسم بالعصا والخاتم. ويجوز أن يكون تكلمهم من الكلم أيضا، على معنى التكثير. يقال: فلان مكلم، أى مجرّح. ويجوز أن يستدل بالتخفيف على أنّ المراد بالتكليم: التجريح، كما فسر: لنحرقنه، بقراءة علىّ رضى اللّه عنه: لنحرقنه، وأن يستدل بقراءة أبىّ: تنبئهم. وبقراءة ابن مسعود: تكلمهم بأنّ الناس، على أنه من الكلام. والقراءة بإن مكسورة: حكاية لقول الدابة، إما لأنّ الكلام بمعنى القول. أو بإضمار القول، أى:
تقول الدابة ذلك. أو هي حكاية لقوله تعالى عند ذلك. فإن قلت: إذا كانت حكاية لقول الدابة فكيف تقول بآياتنا قلت: قولها حكاية لقول اللّه تعالى. أو على معنى بآيات ربنا. أو لاختصاصها باللّه وأثرتها عنده، وأنها من خواص خلقه: أضافت آيات اللّه إلى نفسها، كما يقول بعض خاصة الملك:
خيلنا وبلادنا، وإنما هي خيل مولاه وبلاده. ومن قرأ بالفتح فعلى حذف الجار، أى: تكلمهم بأن.